الاعــــلام وفــخ العولـــمة
يخبرنا صاحبا كتاب"فخ العولمة" بأنه إذا تكرست العولمة كنظام، فإنها ستزج بالعلم في ديكتاتورية السوق العالمية الواحدة؛ حيث ستتركز الثروة في العلم المتقدم الغني، وسيصبح هذا العالم جاهلا، وعلى نحو خطير، بمشكلات البلدان النامية، من جراء شيوع التنميط الاقتصادي والمالي والتجاري والاجتماعي والثقافي. وستكون لهذا الوضع توابع سلبية على رأسها النمو المطرد للبطالة واتساع دائرة الفقر. وفي الحصيلة النهائية، ستكون"الديمقراطية المعولمة" منحازة للأغنياء من الأفراد والجماعات والدول... ويخبرنا كذاك نعوم تشومسكي بحقيقة واضحة حول ما يسمى بالعولمة مفادها أن العولمة هي عمق التطلعات الهيمنية للولايات المتحدة الأمريكية من وحي مصالحها الأمنية القومية، أو ما يتعارف عليه بـ"الحكم الأمريكي"الذي تجند له، ليصبح واقعا معبئا، مجموعة من الحلفاء والزبناء، في إطار تبني حرية مطلقة لقوانين السوق المالي الواحد، الذي يتخطى سلط الدول القومية ودول الرعاية... هذا رأي بعض المفكرين الغربين أنفسهم حول ظاهرة العولمة، والتي هي عبارة عن مشروع حضاري سياسي واقتصادي غربي للهيمنة أكثر على العالم في ظل النظام العالمي الجديد ذي القطب الواحد كما هو معروف. والملاحظ أن مشروع العولمة هذا، هو مشروع كلي وشامل، يحاول باستمرار أن يتغلغل داخل كل أشكال المنظومات السوسيو-اقتصادية والثقافية لدول العالم، وخاصة من خلال الإعلام لما له من أدوار خطيرة وحاسمة وسريعة في ثقافتنا المعاصرة وأنظمة التواصل البين-إنسانية، هذه الثقافة الجديدة من تاريخ الإنسانية، هي ثقافة الإعلام والمعرفة والمعلوميات بامتياز.ومع انتشار الأشكال الجديدة والثورية في الاتصال والإعلام(الأنترنيت، الفضائيات...) نجد أن وسائل الإعلام والاتصال تصنع في كل لحظة تمثلاتنا حول أنفسنا وحول العالم، وبالتالي توجه وتحدد منظومة سلوكياتنا وتوجهاتنا وعلائقنا...وتتحكم فيها. لهذا فإن إيديولوجيي ومنظري وصناع العولمة يركزون بشكل كبير على الآلة الإعلامية من أجل خدمة وصناعة المخططات والمصالح الاستراتيجية للعولمة، وذلك بالعمل على: › التحكم في الصناعات المرتبطة بتكنولوجيات واقتصاديات الإعلام. › التحكم في الاننتاج الإعلامي العالمي، وذلك من خلال التحكم في آليات صناعة الخبر والمعلومة والفرجة، والسيطرة على مصادرها ومؤسساتها المختلفة. أي بعبارة أخرى، التحكم إيديولوجيا واقتصاديا وتكنولوجيا في الإعلام العالمي، من أجل تنميط الذوق العام وسلوكيات وتمثلات الفرد/ المتلقي وفق المرجعية الرأسمالية الاستهلاكية والاستلابية التبعية. إذن، هكذا نجد أنفسنا أمام مشروع عولمة الإعلام، حيث يمكننا أن نرصد ردود الفعل حوله في موقفين:
الأول يؤيد بحــــــماس، ودون تحفظ، عولمة الإعلام ويبرز إيجابيتها باعتبارها تدعم من التدفق الحر للمعلومات وحق الاتصال، وتوفر للجمهور فرصا غير محدودة لحرية الاختيار بين وسائل الاعلام والمعلومات، والتحرر من هيمنة واحتكار المؤسسات الإعلامية، وخصوصا الرسمية، على الأقل.
الثاني يعارض بشدة عولمة الإعلام، حيث ينظر إليها باعتبارها نفيا للتعددية الثقافية، وتسييد قيم الربح والخسارة وآليات السوق في مجالات الاعلام والاتصال والمعلومات، علاوة على الاعتداء على حرية وسائل الاعلام والحق في الاتصال، وتعويض سلطة الدولة بسلطة الشركات الاحتكارية متعددة الجنسيات... وفي الأخير، يحق لنا أن نتساءل عن علاقة إعلامنا الوطني والعربي بمشروع عولمة الاعلام هذا؟ هل يعمل إعلامنا، من منطلق التحليل النقدي والمستقل، على التعريف بالعولمة وخطورتها على مجتمعاتنا، ونحن نغرق يوما بعد يوم في إغراقاتها التكنولوجية والمالية والمعرفية والإعلامية؟ ماذا نفعل، على الأقل، للتحكم الإيديولوجي والقيمي في "منتجاتنا" الإعلامية وفق مصالحنا الوطنية والقومية؟ وننوه، في الأخير، أننا لا ندعو إلى الانغلاق والانكماش حول الذات، بقدر ما ندعو إلى إلى اليقظة الوطنية، والتفتح النقدي الواعي أمام زحف أشكال جديدة من الهيمنة العالمية، حتى لا نكون مجرد كائنات مستهلكة ومستلبة وتابعة، تنفعل في العالم دون أن تفعل فيه بحرية واستقلالية وسيادة وطنية وقومية.